رجل منسي: سلامة موسي

سلامة موسي
المصدر: geocities.ws/raou_moussa/

بقلم: ماجد عطية
قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان سلامة موسي (١٨٨٧-١٩٥٨) ذو الخمسين عاما قد تخطي أفضل سنواته. وبالرغم من حفاظه على طاقاته المدهشة لعقدين أخريين، إلا أن تأثيره لم يعد كما كان. فقد اختارت مصر المضي في طريق أخر متجاهلة الرجل الغريب الذي حاول دفعها في أتجاه الحداثة. من الصعب تصنيف رجل داوم على تبني الأفكار الجديدة ثم تجاهلها باستمرار. كان اعجابه وايمانه بالعلم وكل ماهو حديث شبيه في تسرعه بالاطفال، وهو مادفعه في اتجاهات مظلمة أضطر إلى التراجع عنها فيمابعد. فعلى سبيل المثال قاده الاعجاب بالفراعنة، وفهمه الخاطيء لنظرية التطور إلى الإيمان بعلم تحسين النسل (Eugenics) حتي كان من المؤمنين بنظريات فلندرز بيتري و جرافتون أليوت سميث. وعلى الرغم من ذلك فقد كان سلامة من القلائل من أبناء جيله الذين أعجبوا بالنساء بطريقة غير رومانسية فقط، ولكن ككائنات من لحم ودم متساويات مع الرجال. كان أيمانه بالفابية من الأشياء القليله الثابته في حياته. في هذا الصدد، كما في اعجابه بالثقافة الأنجلوساكسونية، كان من الأقلية في مصر.
تاسست الجمعية الفابية في انجلترا قبل مولد سلامة في مصر بثلاث أعوام. تُعرف الجمعية عادة كجمعية اشتراكية ولكنها كانت أعقد من هذا، فقد كانت في الحقيقة نتاج زواج غير مستقر بين الأرستقراطية الانجليزية والطبقة الرأسمالية الناشئة. سميت الجمعية على أسم الجنرال الروماني فابيوس ماكسيموس والذي أتعب حنبعل برفضه المواجهة واتخاذه استراتجية الاستنزاف، وبالتالي فلم يكن أعضاء الجمعية ثوريين بل فضلوا الاصلاح المتأني على الافعال الثورية. تعرف سلامة على الجمعية عن طريق أحد أعضائها النسويات والتي كان سلامة معجبا بها. لاحقا في حياته أعلن سلامة أن “النساء الانجليزيأت هم الاحلي في العالم” وهو أعجاب يمكن تفسيره بالولاء أكتر من خبره واسعة بالجنس الأخر لم يكن سلامة يملكها. كان الفابيون جماعة نابضة بالحيوية تفضل الاصلاح الاجتماعي عن السياسي تفرغ الكثير من أعضائها لدراسة الجنس وتحسين النسل، أبرزهم هافلوك أليس الانجليزي غريب الأطوار. أثرت تلك الاراء على سلامة لبقية حياته حيث تبني شخصية العم الأرستقراطي الذي لا يجد حرجا في الكلام عن الجنس أمام أمة محتشمة، محرجة. كان رفضة لتبني أراء معادية للغرب أو للانجليز منبعه معرفته الوثيقة بهم على مستوي وشخصي وليس دفاعا عن أو قبولا بالامريالية. كان موقفه على النقيض تماما من سيد قطب الذي كان يفصح بنظرته الضيقة للجنس والتي ساهمت في تغذية عدائه للغرب. من الصعب على أي رجل أن يكره مكان بينما يحب نسائه.

سيد قطب المصدر: ويكيبيديا

سيد قطب
المصدر: ويكيبيديا


لم يكن سلامة الوحيد بين رعايا الاستعمار البريطاني الذين أعجبوا بالفبيانيون ونسائهم. شارك سلامة هذا الاعجاب جواهر لال نهرو، محمد على جناح ولي كوان يو. لا شك أن ألفبيانية كان لها تأثير على حياتهم كشخصيات عامة وعلى نجاحاتهم في الحكم. لايستطيع المرء أحيانا أن يطرد فكرة أن موت جناح المبكر، على سبيل المثال، كان له أبلغ الأثر على فشل باكستان في التطور الديمقراطي على نهج الهند، وعلى معاناتها الحالية مع التيارات الاسلامية. أشترك سلامة مع هؤلاء الرجال في الطبع الحاد وفي الشك في جدوي الديمقراطية (على نهج أدموند برك) أن لم تكن النخب وعامة الشعب على قدر من النضج الثقافي الكافي لتطبيقها. ولكن على عكس نهرو وجناح وكوان يو، فلم يصل سلامة إلا أي منصب رسمي، رغم رغبته في ذلك. فقد وقف في طريقه العائق الأقوي في السياسة المصرية، وهو الدين، رغم محاولة البعض انكاره. فكقبطي، ورغم أنه أعتبر نفسه ملحدا، كان أقصي مايمكنه هو عضوية أحد الأحزاب كرجل ثاني أو ثالث، وهو ماتنافي مع شخصيته. أعتاد الاسلاميين مهاجمته وتشويهه كعميل للغرب مرتكنين لأن ديانته سوف تجعل تلك الاتهامات سهلة التصديق. في عام ١٩٥٠، واستكمالا لتحوله من رجل مرهف ألحس محب للفن والأدب لزعيم اسلامي، هاجم سيد قطب “الانجليزي الأسمر” في أشارة خبيثة لرجل عرفه، وغالبا كرهه. ومع الاسف فان دراسات مابعد الاستعمار في الغرب أتفقت مع سيد قطب في هذا التحليل لشخصيات مثل سلامة وهو ما أضر كثيرا بفهم السياسة الغربية للاسلام السياسي. فطبقا لتلك النظريات فالاسلام السياسي هو قوة “أصيلة” بينما من يدعوا للقيم الغربية دخلاء محكوم عليهم بالفشل وبالتالي فلا يجب مساندتهم بشكل قوي أو مستمر.

في ٢٠١٢، كتب عمرو البرجاسي، وهو أحد الليبراليين المصريين، أنه حتي ينبع فكر ليبرالي حقيقي في مصر فان مصر محكوم عليها أن تعيش بين “قمع اسلامي أو قمع الإسلاميين”. لابد أن ينبع هذا الفكر من فهم للواقع الحالي، ولكنه لابد أيضا أن يشمل دراسة متأنية لتاريخ الكثير من هؤلاء الرجال المنسيين وكيف خسروا المعركة الأولي من أجل روح شعبهم.