نخبة منقادة لا نخبة قائدة

علاء الاسواني في التحرير
المصدر: flickr.com/gigiibrahim/

بقلم: ساره لبيب

من اكثر الأشياء التي تثير تعجبي تمسك النخبة المصرية بنفس النمط الفكري حتى بعد أن اثبتت فى كل مأزق و فى كل إمتحان إضمحلال فهمها و فشلها فى إدراك الواقع و التعامل معه. هذه النخبة التى قفزت على قطار الثورة عندما كان مشروعاً يحظى بإعجاب الكثيرين، ثم روجت للتصويت لمرشح الإخوان لكونه الخيار الثورى فى أعينهم متجاهلة خطورة فكر الجماعة، ثم عادت لتمجد تدخل الجيش و تعتبره نجاحاً للمسار الديمقراطى. هذه النخبة التى لم تتعلم شيئا فى السنوات الماضية، بل تستمر فى المسار الخطأ بفخر و إصرار.

العيب ليس فى الأخطاء، فكلنا قد أخطأنا فى قراءتنا للأحداث، و فى تقديرنا الأمور فى وقت ما، العيب هو عدم مراجعة هذه الأفكار. و الأهم من مراجعة الأفكار نفسها هو إعادة النظر فى طريقة التوصل إليها. و من أهم الأخطاء فى هذا المجال، التجاهل شبه التام للمشاكل المزمنة فى الحالة الإقتصادية، و عدم الخوض فى حوار مجتمعى عاقل يسعى إلى تقديم حلول واقعية و فعّالة فى هذا المجال.

 نحتاج لنخبة تقود الرأى العام فى إتجاه معاكس للذي نجد أنفسنا فيه الآن، حيث نظريات المؤامرة و غياب الفكر النقدى و المنطق

فهل وجدنا فى السنوات الماضية من ينادي بتغيير النظام الإقتصادى للدولة بما يساعد على ترشيد الإنفاق لحل أزمة الديون المترهلة؟ هل وجدنا من يتحدث للشعب بصدق؟ أو على الأقل، لا يسعى وراء تغييبه بأفكار خيالية عن وجوب مجانية كل الخدمات او رفع الأجور أو تخفيض الأسعار فى ظل عدم قدرة الدولة على تحمل مثل هذه الأعباء؟ هل يستفيد المواطن حقاً من وعود فارغة نابعة عن رغبة فى كسب قلوب الجماهير بإستخدام أدنى طرق الشعبوية مع وجود جهل صارخ بأبسط المفاهيم الإقتصادية و السياسية؟

المشكلة لها شق ايديولوجى بالتأكيد، حيث نجد أغلبية من يتحدثون فى الإقتصاد من نشطاء و خبراء، ينتمون الى الفكر اليساري. وهنا نجد أن الساحة تفتقر لأفكار السوق الحر، التى تعلي من شأن العمل الحر و الجاد و تطوير الإمكانيات و التقنيات و المسئولية الشخصية. لكن هناك ايضاً شق آخر يتعلق بجهل كثيرين، و تعلقهم بنظريات مؤامرة خزعبلية، او تمسكهم بأفكار قومية عتيقة لا تفسح المجال لنظرة صادقة للذات و رؤية منفتحة للتقدم و للعالم.

نحتاج نخبة جديدة صادقة مع نفسها و مع الناس، لا تُجمّل الحقائق و لكن تطرح حلولا قد يكون من الصعب تقبلها بالنسبة لكثير من المواطنين الذين ينتمون لمدرسة فكرية بعينها، لكنها ستكون لائقة لما نمر به. نحتاج لنخبة تقود الرأى العام فى إتجاه معاكس للذي نجد أنفسنا فيه الآن، حيث نظريات المؤامرة و غياب الفكر النقدى و المنطق. الحقيقة هى ان النخبة الحالية قد أضرت بالوطن ببثها الأفكار و المفاهيم الخاطئة التى نجح بعضها فى التغلغل فى وعى المواطن بشكل خطير. فمصر ليست غنية كما يدّعون، ولا تمتلك ما يكفى من الموارد سواء البشرية او غيرها لتحقق إكتفاء ذاتى من أى نوع. تعليمها من اسوأ ما فى العالم و تفتقد ثقافة العمل الجاد و النظام. فنها اصبح منحطا فى معظم الأحيان، و مستوى البحث و التقدم العلمي منحدر، فهي لا تقدم شيئا للعالم و لا تنتج ما يفيد.

نحتاج إلى حكومة تسير فى الطريق الصحيح بحزم، فتعيد الأمن و الإستقرار السياسي و التشريعي، تترك المجال لسوق حر قوي فعال يخلق فرص عمل و ينتشل الفقراء من حالتهم البائسة. نحتاج لدولة متفرغة لتطبيق القانون بشكل فعلي و بمساواة. تعوزنا دولة تحمي الملكية الخاصة، وتتعامل بحزم مع من يعتدي على حياة اى مواطن. ما يسمى ب”هيبة الدولة” لا يجب أن يقوم إلا على إحترام و خضوع المواطنين والدولة نفسها للقانون، ليس خوفهم من فساد الأجهزة الإدارية او إرهاب الأجهزة الأمنية، أو لجوئها للتعذيب و الظلم بشكل منهجى.

لكى نجد مثل هذه الدولة، تعوزنا نخبة تقود تغييرا جذريا، فكريا و أيديولوجيا، و تحث الحكومة على إتخاذ القرارات الصعبة دون إختلاق الأعذار. من لا يمتلك الشجاعة لقيادة تغيير مجتمعى و فكري و من يستمر فى الخطأ بعد أن ثبُت إفلاسه الفكرى سيفيد الوطن أكثر بسكوته. على المصريين ان يفرزوا او ينبذوا من لا يستحق ثقتهم و إهتمامهم، و من قادهم إلى التهلكة الفكرية، و يخلقوا بديلا يستطيع مواجهة الحقيقة الكاملة.