"قناة السويس الجديدة": فرصة أم ورطة؟
بقلم: مصطفي حسن
أثار مشروع توسعة قناة السويس (او ما أصبح يعرف بقناة السويس الجديدة) الكثير من ردود الأفعال ما بين مؤيد و معارض. الافكار التالية هي محاولة لنقد المشروع بشكل عقلاني هادئ معتمدة قدر الامكان على الحقائق دون الأحلام و الأمال.
بدايةً يجب الاعتراف أن المعلومات الرسمية حول هذا المشروع تقريباً غير متاحة للعامة و هذه في حد ذاتها اول خطيئة لهذا المشروع: إذ كيف يمكن لاي سلطة تنفيذية في العالم أن تقرر أن تصرف ما يربو على ١٢٪ من إجمالي ايردات الدولة في مشروع واحد بدون عرض أي معلومات أو دراسات على الشعب أو نوابه و ما هو وجه العجلة في صرف هذا المبلغ الضخم قبل إنتخابات مجلس النواب المفترض عقدها في خلال شهور ؟ (توضيح : السلطة التنفيذية تصرف من مال الشعب و من المفترض أن يراقب و يوافق الشعب على اوجه الصرف من خلال نوابه المنتخبون)
سؤال أخر يثيره عدم وجود معلومات و العجلة في تنفيذ المشروع الا وهو: متى تم تنفيذ الدارسات الفنية ؟ لا يخفى على أحد أنك إذا اردت بناء بناية صغيرة ، فإن الأمر يستغرقك شهور عدة مابين رسومات و دراسات و اتفاق مع المقاول و تقسيم الأعمال و خلافه قبل البدء في الحفر. فما بالكم بمشروع بهذا الحجم و هذه التكلفة ؟ إذاً فإنه من الأرجح أن هذا المشروع بدأت دراسته منذ ما يزيد عن العام أي قبل تولي الرئيس الحالي مقاليد الامور بشكل فعلي و تم استغلال بدء التنفيذ في بروباجندا دعائية للنظام و هذا هو التفسير الأفضل لأن التفسير الأخر إن الدولة اندفعت في تنفيذ هذا المشروع بدون دراسات كافية مما يعني ان ما يحدث حالياً هو نوع من العبث.
و مما يرجح أن المشروع بالفعل يستخدم في بروباجندا إعلامية للنظام أنه تم الاعلان عن تعميق القناه ل ٦٦ قدم بينما بيانات هيئة قناة السويس توضح أن عمق المجرى الرئيسي للقناه هو بالفعل ٦٦ قدم منذ ٢٠١٢! (صفحة ٤ من العرض أسفله). أضف إلى ذلك أن شخصاً غير متخصصاً قرر خفض المدة التي رأى المتخصصون أنها لازمة للمشروع ب٦٦٪ و وافق المتخصصون على الفور بدون إعتراض أو دراسات اضافيه و هو أمر يثير الدهشة ؛ فهل مهندسي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة يتعمدون التباطؤ لإحراج قائدهم الأعلى ؟
المصدر: عرض هيئة قناة السويس للاجتماع الدولي لمنظمة BIMCO عام ٢٠١٣
نأتي الان للنقطة الرئيسية في المشروع والذي طبقاً لتصريحات مختلفة من المتوقع أن يرفع دخل القناه من ٥ مليار دولار أمريكي إلى ١٣ مليار دولار أي زيادة ١٦٠٪. وجهة نظر المدافعين عن المشروع هي ان بإزدواج القناه ترتفع طاقتها مما يعني المزيد من السفن العابرة و بالتالي المزيد من الدخل.
ولكن للاسف فان وجهة النظر هذه لا تتسق مع الواقع إذ إن السعه المرورية لقناة السويس طبقا لنظام المرور الحالي هى ٧٨ سفينة يومياً يمكن زيادتها إلى ٩٨ سفينة من خلال تعديل نظام المرور و إستخدام كافة التفريعات الحالية – كل هذه الأرقام هي من بيانات هيئة قناة السويس (صفحة ١٥ من العرض أعلاه). أيضاً من بيانات الهيئة ، أن أعلى متوسط يومي للسفن في العقد الأخير كان في ٢٠٠٨ وهو ٥٨.٥ سفينة يومياً أي ٧٥٪ من الطاقة المرورية للقناه الحالية و٥٩.٦٪ من الطاقة القصوى بدون استثمارات جديدة مما يجعل تصور أن إزدواج القناه سيزيد حجم المرور ١٦٠٪ هو تصور غير منطقي و غير مستند علي الواقع.
أن الاتجاه العام في مجال الشحن البحري هو إستخدم سفن أكبر حجماً ولذلك فمن الضروري أن تستعد القناه لهذا الاتجاه. فبالنظر إلى إحصائيات هيئة القناه، نرى أن أعلى عدد سفن مرت من القناة تحقق في ١٩٨٢ و هو ٢٢٥٤٥ بمتوسط يومي ٦١.٨ و هو رقم بعيد عن الطاقة القصوى للقناة وكما أشرنا فإن أقصى عدد سفن في الماضي القريب تحقق في عام ٢٠٠٨ (٢١٤١٥ سفينة) الذي شهد نمو الاقتصاد العالمي بشكل كبير قبل الانهيار الاقتصادي في نهاية العام . منذ ٢٠٠٨ ، فإن عدد السفن في تناقص مستمر حتى وصل إلى ١٦٥٩٦ في ٢٠١٣ بمتوسط يومي ٤٥.٥. في نفس الفترة ، زاد المتوسط اليومي للحمولات العابرة من ٢٤٨٦ ألف طن إلى ٢٥٠٨ ألف طن في ٢٠١٣ مما يؤكد بالفعل الاتجاه العام لاعتماد اساطيل الشحن البحري أكثر فاكثر على سفن أقل و لكن أكبر حجماً. بديهياً الاستعداد لهذا يكون بزيادة عمق المجرى الملاحي و هو الأمر الذي سبق أن أشرنا إلى عدم حدوثه حيث أنه لا توجد أي تصريحات تشير إلى زيادة عمق القناه عن العمق الحالي (٧٤ قدم قادرة على إستقبال سفن بغاطس حتى ٦٦ قدم). وبغض النظر فلا يمكن تصور أن يزيد دخل القناه ١٦٠٪ في ثلاث سنوات حيث أنه طبقاً لبيانات الهيئة الحالية فأن القناه بوضعها الحالي قادرة عل خدمة٦٢.٦٪ من ناقلات البترول ، ٩٦.٨٪ من أسطول سفن الصب و١٠٠٪ من باقي أنواع السفن و بالتالي فإن أكبر زيادة يمكن تصورها بسبب زيادة الغاطس لا تزيد عن ٢٠٪ بافتراض أن حوالي نصف السفن المارة بقناة السويس هي ناقلات بترول علماً أن خط سوميد يمكن السفن العملاقة من تفريغ أو تخفيف حمولتها في السويس لكي تتمكن من عبور القناة ثم إستلام الحمولة مرة أخرى من ساحل المتوسط لإستكمال رحلتها .
إن علامات الإستفهام الكثيرة التي تثيرها هذه الأرقام الرسمية حول جدوى إستثمار ٦٠ مليار جنيه في هذا المشروع ربما لا ينافسها سوى علامات الاستفهام التي يثيرها حجم الاستثمار نفسه: ٦٠ مليار جنيه أو ٩ مليار دولار. هنا يجب أن أكون حذراً حيث انني غير متخصص و لكن بالمقارنة بمشروع توسيع قناة بنما، يبدو الرقم ضخماً جداً نظراً لأن مشروع توسعة قناة بنما يتضمن إزدواج القناه ، تعميقها و إضافة هويس جديد (أمر مكلف جداً) بطول ٧٧ كيلومتر بتكلفة اجمالية ٥.٢٥ مليار دولار منها ٣.٢ مليار تكلفة الهويس الجديد. أي أن تكلفة حفر ٧٧ كيلومتر في بنما ٢ مليار دولار بينما تكلفة حفر ٧٢ كيلومتر في الاسماعيلية ٩ مليار و هو أمر جائز طبعاً لكن لابد من شرح السبب. و بما أننا تحدثنا عن قناة بنما فيجب ان نذكر أن دراسات توسيع تلك القناه استغرقت ٦ سنوات قبل البدء في اجراءت التوسيع!
هذه الأرقام تستدعي و بشكل عاجل أن يقوم أحد المسؤلين بالرد على هذه الأسئلة المشروعة:
- ما وجه العجلة في البدء في هذا المشروع ؟
- هل رقم الاستثمار، ٩ مليار دولار، هو رقم حقيقي ؟ لو حقيقي كيف يمكن تبريره (خاصةً بالمقارنة مع مشروع قناة بنما ) ؟ لو غير حقيقي ، لماذا لم يتم إعلان الرقم الحقيقي ؟
- هل تصور أن هذا المشروع يمكن أن يزيد دخل القناه ١٦٠٪ حقيقي ؟ كيف يمكن تبريره في ظل أن القناه تعمل حالياً بعيداً عن طاقتها الاستعابية القصوى ؟ لو غير حقيقي ، لماذا لم يتم إعلان الرقم الحقيقي ؟
- في إطار مقارنة تكلفة المشروع مع ايراداته ، ما هي الجدوى الاقتصادية للمشروع ؟
نهايةً يجب توضيح أن الهدف من طرح هذه الأفكار ليس تثبيط الهمم كما سيسارع بعض مؤيدي النظام بالقول ولكنها دعوة للنقاش – قد تكون هناك أسباب جيدة للمشروع و قد تكون هناك نقاط وجيهة غائبة عن كاتب هذه التساؤلات و لكن يبقى التساؤل الأكبر: لم التعجل في بدء مشروع مكلف بدون مناقشته بشكل يستوفي كافة الأوجه ؟ و هل من الأفضل لمصر و هي تمر بأزمة إقتصادية طاحنة و تعاني من إرتفاع شديد في عجز الموازنه أن تزيد من هذا العجز من خلال إستثمار ٦٠ مليار جنيه لم تكن مدرجة بالموازنة في مشروع جدواه الاقتصادية محل شك؟